رواية جميلة جدا للكاتبة دعاء عبد الرحمن الجزء الثالث
التأخير وأشار إليه بالجلوس ..جلس الرجل ثم نهض مرة أخرى ووضع أمام فارس الاوراق التى طلبها ووضع فوقهم شيك بالأتعاب ..نظر فارس إلى المبلغ المدون أمامه ثم رفع رأسه للرجل وقال
أنا قلت لحضرتك انى مش هقبل أى حاجة إلا لما اقابل المتهم بعد كده هقرر وبعدين المبلغ ده كبير أوى
قال الرجل بسرعة وبصوت يشبه البكاء
نظر إليه فارس بإشفاق ومد يده بالشيك قائلا بحسم
معلش حضرتك خده ولو وافقت نبقى نتكلم فى حكاية الاتعاب دى بعدين ...أنا هروحله بكره على طول ان شاء الله يعنى الموضوع مش هيتاخر كتير
خرج الرجل من حجرة فارس وقبل أن يخرج من المكتب الخارجى تفاجأ بدنيا التى أقتربت منه بتمهل وقالت
رفع الرجل يده إلى السماء وهو يقول بضعف
ربنا يسمع منك يابنتى
اقترب وائل منهما وقال للرجل مقدما له دنيا قائلا
دى الأستاذة دنيا مرات الدكتور فارس ومحامية معانا هنا
قالت دنيا باهتمام
أمبارح الدكتور فارس سهر على القضية للفجر وتقريبا شبه موافق عليها يعنى حكاية المقابلة دى مسألة شكلية مش أكتر
حقيقى يا أستاذة ... مش عارف اقولك ايه طمنتينى ربنا يطمن قلبك
قالت مؤكدة
إن شاء الله لما يرجع من الزيارة انا اللى هكلم حضرتك وأحدد مع حضرتك الأتعاب والمعاد اللى حضرتك هتجيلوا فيه
غادر الرجل بعد أن تأكد أن قضيته قد قبلت بالفعل فها هى زوجته تؤكد له أنه بدا العمل بها فعلا ...دخلت دنيا حجرتها بعصبية وقلق والتفتت إلى وائل الذى تبعها وقالت
قال وائل بثقة
الأستاذ باسم مستنى منك مكالمة.. بعد ما تعرفى قرار الدكتور فارس وساعتها هيقولك هيعمل ايه بالظبط.
أطل بلال برأسة داخل مصلاها الصغير الذى أتخذته منذ زواجها مصلى خاص بها فى أحد أركان المنزل الصغيرة فوجدها تسبح بعد انتهاءها لتوها من صلاة الفجر .. أزاح الستار الذى وضعته عليه ليعطى الركن شىء من الخصوصية فلا يدخله أحدا سواها ولا يعبث أحد بمكتبتها الصغيرة فيه ..أقترب منها وجلس بجوارها . ألتفتت إليه بابتسامة عذبة فأخذ كفها فى يده وقبل راحتها ثم أكمل تسبيحه على أصابعها .. نظرت له بحب جارف وهو يسبح على أصابعها وفى كل تسبيحة يزداد حبه بقلبها وتتعلق به أكثر وأكثر ..رفعت يدها الأخرى ومررت أناملها على لحيته وخللت أصابعها برفق داخلها فنظر لها وابتسم وأكمل التسبيح عليها . وقال بخفوت
بادلته همسا بهمس وهى تقول پسكينة
كل مرة بقول أذكار الصباح فى السرير بتروح عليا نومه قبل ما اخلصها فقلت اقولها هنا علشان كمان ابقى مركزة فيها ...
ثم أردفت متسائلة
مش قلت هتدى درس بعد الصلاة
ظهر الحزن على وجهه وهو يقول
ثم أردف متهكما بسخرية حزينة
الرقاصة فى الكباريهات محدش بيقدر يمنعها من اللى بتعمله لكن أحنا لما نيجى نتكلم عن الله يمنعونا ويقفلوا المساجد بعد الصلاة على طول
ربتت على وجنته وقالت بهدوء
متزعلش نفسك كده يا حبيبى أنت ناسى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام لما قال
0 بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء
نظر لها وأطل الأسى من عينيه قائلا
أحنا بقينا غرب فى بلدنا يا عبير أول ما الواحد يربى لحيته يبتدى الاضطهاد ويبتدوا يحاصروه فى كل مكان فى المسجد وفى الشغل وفى كل حته تبتدى المضايقات ... كأن التأسى بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام بقت تهمة المفروض الواحد يتعاقب عليها
حاولت أن تضفى بعض من المرح عليه فغيرت مجرى الحديث وقالت مداعبة
قولى بقى ناوى تعمل ايه النهاردة فى فارس وعمرو
أستجاب لمداعبتها وأبتسم بمرح وقال
ناوى أدشدشهم طبعا
تحسست ذراعيه بإعجاب وهى تقول ضاحكة
أنا متأكده أنك هدشدهم بضمير
خلل أصابعه بين خصلات شعرها و همس فى أذنها قائلا
فكرتينى بالضمير ..الولاد لسه نايمين مش كده !
طيب هسيبكوا أنا شوية يا متر علشان تعرفوا تتكلموا
قال الضابط هذه العبارة وهو ينهض من خلف مكتبه ويأخذ هاتفه واتجه خارج مكتبة .. أنتظر فارس حتى خرج الضابط وأغلق الباب خلفه فالټفت إلى الشاب الذى وقف أمامه مطرقا برأسه فى حزن وقال وهو يشير له بالجلوس
أقعد يا هانى
جلس هانى ببطء وبدون أن يرفع رأسه أو ينطق ببنت شفة ..تفرس فيه فارس مليا وقرأ بسهولة تعبيرات الحزن والوجوم فى ملامحه الشاحبة المترقبة ..لايبدو عليه الإجرام أبدا على العكس تماما وجهه فيه من البراءة ما فيه ..حاول فارس أن يقرأ لغة جسده فلكل جسد لغة من الممكن ان تكشف عن مكنونات مشاعره أثناء الحديث ..صمت فارس برهة من الوقت لكى يجعله يتوتر أكثر ويسهل استدراجه وقاطعا عنه أى اسلوب للمراوغة من الممكن أن يلجأ إليه ثم قال فجأة
أنا عارف أنك مكنش قدامك حل تانى ..!
رفع هانى رأسه بحذر ناظرا إلى فارس الذى مال للأمام مقتحما عينيه و تكلم وكأنه رآه يوم الحاډث رأى العين وأردف قائلا بثقة
كانت بتهددك كنت هتعمل أيه يعنى غير كده
حدق هانى فيه مندهشا وقال متعجبا
عرفت ازاى أنها كانت بتهددنى !
قال فارس بهدوء وتركيز
أحكيلى كل حاجة وانا هقولك عرفت ازاى
نظر له هانى وهو يفرك كفيه فى اضطراب وتوتر كبيرين وقال متلعثما
زى ما انت قلت مكنش فى أيدى حل تانى.. كانت عمالة تهددنى أنها تفضحنى فى كل حتة وتقول لابويا وانا خلاص كنت هتعين فى السلك الدبلوماسى وأى قلق كان هيحصل حواليا كان هيطير مني الشغلانة اللى كنت بحلم بيها طول عمرى..
ثم بدأ فى البكاء وهو يرتعش قائلا
صدقنى أنا عمرى ما كنت احلم انى اعمل فيها كده.. بس هى اللى اضطرتنى ..
ډفن وجهه بين كفيه وهو يرتعش بقوة ويقول
أنا مكنش قصدى اموتها أنا كنت عاوزها تسقط بس وخلاص.. مكنتش اعرف انها ھتموت
سايره فارس فى الحديث وهو يربط على ساقه مهدئا وقال
أهدى بس يا هانى أهدى .. أنا فاهمك طبعا بس انت أيه اللى خلاك من الأول تعرف الاشكال دى يا أخى
جفف هانى دموعه ولكنه مازال يتلعثم وهو يتحدث من فرط الاضطراب فهذه أول مرة يعترف بها بما فعل وقال
كانت زميلتى فى الكلية وأعجبنا ببعض لحد ما صارحنا بعض بالحب وكنا متفقين أن محدش يعرف بعلاقتنا دلوقتى وكانت علاقتنا علاقة حب بريئة ..وبعد شويه صرحتنى أنها حكت لاختها الكبيرة وأختها كانت متفاهمة معاها حتى ساعات ..ساعات كانت بتخرج معانا وكانت متصورة كده